الصفحات

الخميس، 27 أغسطس 2009

الرد على شبهة سورة النساء آية 32


بسم الله الرحمن الرحيم 
.
.
قال أعداء الله ورسوله :- ولا تتمنّوا

“وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ; (آية 32).

قال ابن عباس: أتت امرأةٌ للنبي، فقالت إنك تقول: للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا؟ إذا عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة (أسباب النزول للسيوطي في النساء 4: 32). وقال المثنى: لما نزلت للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: إنّا لنرجو أن نزيد على النساء في الثواب كما في الميراث. وقالت النساء: لهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث (الطبري تفسير النساء 4: 32). فقال لهم محمد: ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض .

فهذا القول هو أشبه بأقوال الساسة لا الأنبياء، فهو يحاول أن يحلّ مشكلة كان هو السبب فيها نتيجة تفرقته بين الناس على أساس النوع، فالرجل عنده أفضل من المرأة، والمرأة أفضل من العبد المسلم، والعبد المسلم أفضل من الجارية المسلمة، والجارية المسلمة أفضل من الرجل الكتابي (يهودي أو مسيحي). (راجع كتاب أحكام أهل الذمة ابن القيّم)..
انتهت الشبهة .
.
الرد على المطعن :-
.
الحق سبحانه وتعالى خلق الكون وفيه أجناس، وكل جنس يشمل أنواعاً أو نوعين، وتحت كل نوع أفراد. فإذا ما رأيت جنساً من الأجناس انقسم إلى نوعين، فاعلم أنهما يشتركان في مطلوب الجنس، ثم يختلفان في مطلوب النوع، ولو كانا متحدين لما انقسما إلى نوعين. كذلك في الأفراد.........  فمن العبث أن يخلق الله من جنس نوعين، ثم تأتي لتقول: إن هذا النوع يجب أن يكون مثل هذا النوع. وأيضاً نعرف ذلك عن الزمن، فالزمن ظرف للأحداث، أي أن كل حدث لا بد له من زمن، لكن لكل زمن حدث يناسبه. فالزمن وهو النهار ظرف للحدث في زمنه، والليل أيضاً ظرف للحدث في زمنه. ولكن الليل حدثه السكون والراحة، والنهار حدثه الحركة والنشاط. فإن أردت أن تعكس هذا مكان هذا أحلت وجمعت بين المتناقضين.
فالإنسان ينقسم إلى نوعين: الذكورة والأنوثة وفيهما عمل مشترك وخاصية مشتركة. وأن كلا منهما إنسان له كرامة الإنسان وله حرية العقيدة فلا يوجد رجل يرغم امرأة على عقيدة، وضربنا المثل بامرأة نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون.  ..  . إذن فالقدر المشترك هو حرية الاعتقاد، فلا سلطان لنوع على نوع، وكذلك حرية التعقل في المهمات، وعرفنا كيف أن أم سلمة - رضي الله عنها - أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية إشارة أنقذت المسلمين من انقسام فظيع أمام حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا قصة بلقيس - ملكة سبأ - التي استطاعت أن تبرم أمراً تخلى عنه الرجال، إذن فمن الممكن أن يكون للمرأة تعقل وأن يكون للمرأة فكر، وحتى قبل أن يوجد الإسلام كانت هناك نساء لهن أصالة الرأي، وحكمة المشورة في نوع مهمتها.
.
فميدان الرجل له حركة تتطلب الحزم، وتتطلب الشدة، والمرأة حركتها تتطلب العطف والحنان ، فمهمة النجاح للرجل أو المرأة هو أن يكون كل منهما صالحاً ومؤديا للمهمة التي خُلق من أجلها، بعد ذلك يكون حساب الثواب والعقاب وكل واحد على قدر تكليفه.
.
فالعاقل هو من يحترم قدر الله في خلقه، ويحترم مواهب الله حين أعطاها، وهو يسأل الله من فضله، أي مما فضله به ليعطي له البركة في مقامه. وحين يقول الحق: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } نلحظ أن هذه تساوي تلك تماماً.
.
وسبب نزول الآية { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أن النساء قلن: إننا لم يكتب علينا الجهاد وأعطانا ربنا نصف الرجل من الميراث، وقد أوضح الحق من قبل للمرأة أنها أخذت نصف الرجل لأنها محسوبة على غيرها ولن تصرف وتنفق من دخلها على نفسها، بل سيصرف الرجل وينفق عليها، والمسألة بذلك تكون عادلة. وكذلك قال الرجال: ما دام الله قد فضلنا في الميراث، وأعطانا ضعف نصيب المرأة فلعله يفضلنا في الآخرة ويعطينا ضعف ثوابها، فيصنع الرجل العمل الواحد ويريد الضِّعف!.

وانظر لذكاء المرأة، حينما قالت: ما دام ربنا أعطانا نصف ميراثكم فلماذا لا يعطينا نصف العقوبة إذن؟ فأوضح لهم الله: اهدأوا { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي أن على كل واحد أن يرضي بما قسمه الله له.
وقد أورد الدكتور عبد الواحد وافي في كتاب " حقوق الإنسان " لفتة دقيقة إلى وضع المرأة في الإسلام ووضعها في الدول الغربية جاء فيه:

" وقد سوى الإسلام كذلك بين الرجل والمرأة أمام القانون، وفي جميع الحقوق المدنية سواء في ذلك المرأة المتزوجة وغير المتزوجة. فالزواج في الإسلام يختلف عن الزواج في معظم أمم الغرب المسيحي، في أنه لا يفقد المرأة اسمها ولا شخصيتها المدنية، ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك. بل تظل المرأة المسلمة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها، وبكامل حقوقها المدنية؛ وبأهليتها في تحمل الالتزامات، وإجراء مختلف العقود، من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية؛ وما إلى ذلك؛ ومحتفظة بحقها في التملك تملكاً مستقلاً عن غيرها. فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته.
ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئاً من مالها - قل ذلك أو كثر - قال تعالى:

{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً. أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً؟ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً؟ }

وقال:

{ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً }

. وإذا كان لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئاً مما سبق أن آتاه لزوجته فلا يجوز له من باب أولى أن يأخذ شيئاً من ملكها الأصيل إلا أن يكون هذا أو ذاك برضاها، وعن طيب نفس منها. وفي هذا يقول الله تعالى:

{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً، فكلوه هنيئاً مريئاً }

ولا يحل للزوج كذلك أن يتصرف في شيء من أموالها، إلا إذا أذنت له بذلك، أو وكلته في إجراء عقد بالنيابة عنها. وفي هذه الحالة يجوز أن تلغي وكالته، وتوكل غيره إذا شاءت.

" وهذه المنزلة من المساواة لم يصل إلى مثلها - بعد - أحدث القوانين في أرقى الأمم الديمقراطية الحديثة. فحالة المرأة في فرنسا كانت إلى عهد قريب - بل لا تزال إلى الوقت الحاضر - أشبه شيء بحالة الرق المدني.

فقد نزع منها القانون صفة الأهلية في كثير من الشئون المدنية، كما تنص على ذلك المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون المدني الفرنسي. إذ تقرر أن: " المرأة المتزوجة - حتى ولو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تمتلك بعوض أو بغير عوض، بدون اشتراك زوجها في العقد، أو موافقته عليه موافقة كِتَابِيَّة! ".. وأورد نصها الفرنسي...

" ومع ما أدخل على هذه المادة من قيود وتعديلات، فيما بعد، فإن كثيراً من آثارها لا يزال ملازماً لوضع المرأة الفرنسية من الناحية القانونية إلى الوقت الحاضر.. وتوكيداً لهذا الرق المفروض على المرأة الغربية تقرر قوانين الأمم الغربية، ويقضي عرفها، أن المرأة بمجرد زواجها تفقد اسمها واسم اسرتها، فلا تعود تسمى فلانة؛ بنت فلان ; بل تحمل اسم زوجها وأسرته؛ فتدعى " مدام فلان " أو تتبع اسمها باسم زوجها وأسرته، بدلاً من أن تتبعه باسم أبيها وأسرتها.. وفقدان اسم المرأة، وحملها لاسم زوجها، كل ذلك يرمز إلى فقدان الشخصية المدنية للزوجة، واندماجها في شخصية الزوج.

" ومن الغريب أن الكثير من سيداتنا يحاولن أن يتشبهن بالغربيات - حتى في هذا النظام الجائر - ويرتضين لأنفسهن هذه المنزلة الوضيعة؛ فتسمي الواحدة منهن نفسها باسم زوجها؛ أو تتبع اسمها باسم زوجها وأسرته، بدلاً من أن تتبعه باسم أبيها وأسرتها، كما هو النظام الإسلامي، وهذا هو أقصى ما يمكن أن تصل إليه المحاكاة العمياء! وأغرب من هذا كله أن اللاتي يحاكين هذه المحاكاة! هن المطالبات بحقوق النساء، ومساواتهن بالرجال؛ ولا يدرين أنهن بتصرفهن هذا يفرطن في أهم حق منحه الإسلام لهن؛ ورفع به شأنهن، وسواهن فيه بالرجال ".
.
الإمام/ محمد متولي الشعراوي
.
جاء في كتاب الكنيسة عن المرأة :-
http://mycommandmets.wordpress.com/category/ملكوت-المرأة-الدعارة/


الاثنين، 10 أغسطس 2009

الرد على شبهة سورة النساء الآية34


بسم الله الرحمن الرحيم 
قال أعداء الله ورسوله :- واضربوهنّ :

“الرِّجَالُ قَّوَامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ; (آية 34).

جاءت امرأة إلى محمد تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال: القصاص، فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية) ، فرجعت بغير قصاص.

وأخرج ابن جرير من طُرُقٍ عن الحسن، وفي بعضها أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل محمد بينهما القصاص، فنزلت فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ، ولا تَعْجَلْ بالقرآنِ من قبل أن يُقضَى إليك وحيُه، وقُلْ ربِّ زِدْني عِلماً .وأخرج نحوه عن ابن جريج والسدي.

وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى محمداً رجلٌ من الأنصار بامرأة له، فقالت: يارسول الله، إنه ضربني فأثّر في وجهي، فقال محمد ليس له ذلك. فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية).

فرض المنطق السليم على محمد أن يعاقب الرجل الذي اعتدى على زوجته. ولكن رغبته في إرضاء رجاله جعله يعكس المنطق السليم، معتمداً على ما جاءه من وحي
......... انتهت الشبهة .
الرد على هذه الشبهة:-
.
أولاً: ليس كل الرويات التي ذكرها السيوطي في كتابه " الدر المنثور في التفسير بالمأثور" هي روايات أو احاديث صحيحة لأن هؤلاء العلماء كانوا يخاطبون أهل علم ، وأهل العلم دائماً يتحروا عن صحة الرواية أو الحديث من خلال السند أو المتن .
.
ثانياً: يقول صاحب المطعن : على محمد أن يعاقب الرجل الذي اعتدى على زوجته. ولكن رغبته في إرضاء رجاله جعله يعكس المنطق السليم، معتمداً على ما جاءه من وحي ... ورداَ على هذا الكلام نقول :- أي مبطل يحتج على باطله بدليل صحيح يكون حجة عليه لا له.... فصاحب الشبهة ذكر حديث ولكنه حذف نصفه ليحقق غرضه الباطل .. فذكر : أخرج ابن جرير من طُرُقٍ عن الحسن، وفي بعضها أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل محمد بينهما القصاص، فنزلت فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ، ولا تَعْجَلْ بالقرآنِ من قبل أن يُقضَى إليك وحيُه، وقُلْ ربِّ زِدْني عِلماً .وأخرج نحوه عن ابن جريج والسدي..... أين باقي الحديث والذي من خلاله نظهر الحق ؟ فالحديث قال : [فجعل محمد بينهما القصاص] ، إذن الرسول جعل بينهم قصاص ، وبذلك قول أن محمد كان يُرضي أصحابه هو كلام كذب وباطل ، كما ان الجزء المحذوف جاء فيه : فنزلت { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } [طه: 114] فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن { الرجال قوامون على النساء } إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أردنا أمراً وأراد الله غيره ".
.
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسعى لإرضاء رجاله كما يدعي صاحب الشبهة كذباً .
.
ففي زمن ظهور الإسلام  ظهر في زمن سادت العادات والتقاليد وكان العرب يعتادون على ضرب نسائهم بطريقة وحشية ولذلك عندما ظهر الإسلام  بدأ يُعلم المسلمين كيف يتعامل الرجل مع المرأة بطريقة محترمة وآدمية ، وهذا بالطبع لا يأتي إلا من خلال احداث أسرية  لذلك كان ينزل القرآن منجماً طبقاً للأحداث .
.
فقول الله تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } ، أول ما نلتفت إليه أن بعضهم لم يفسروا الآية إلاّ على الرجل وزوجته على الرغم من أنَّ الآية تكلمت عن مطلق رجال ومطلق نساء، فليست الآية مقصورة على الرجل وزوجه، فالأب قوام على البنات، والأخ على أخواته. ولنفهم أولاً { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ } وماذا تعني؟ وننظر أهذه تعطي النساء التفوق والمركز أم تعطيهن التعب. والحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم قضية كونية، فهو الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه وأوضح القضية الإيمانية { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } والذي يخالف فيها عليه أن يوضح - إن وجد - ما يؤدي إلى المخالفة، والمرأة التي تخاف من هذه الآية، نجد أنها لو لم ترزق بولد ذكر لغضبت، وإذا سألناها: لماذا إذن؟ تقول: أريد ابناً ليحمينا. كيف وأنت تعارضين في هذا الأمر؟ 
.
إذن وجه التفضيل أن الرجل له الكدح وله الضرب في الأرض وله السعي على المعاش،و ذلك حتى يكفل للمرأة سبل الحياة اللائقة عندما يقوم برعايتها.
.
والعجيب أن الدوائر المسيحية تحاول تشكيك وإثارة المرأة المسلمة حول هذه القضية علماً بأن كتابهم قال : 
تكوين 3
 16   رجلك ... يسود عليك .
.
إذن السيادة للرجل وليست للمرأة .
.
وقوله تعالى :  { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } ، النشوز " من " نشز " أي ارتفع في المكان. ومنه " النشز " وهو المكان المرتفع ؛ ولذلك فالنشاز حتى في النغم هو: صوت خارج عن قواعد النغم فيقولون: هذه النغمة النشاز، أي خرجت عن قاعدة النغمة التي سبقتها. وكذلك المرأة المفروض فيها أنها تكون متطامنة، فإن شعرت أن في بالها أن تتعالى فإياك أن تتركها إلى أن تصعد إلى الربوة وترتفع. بل عليك التصرف من أول ما تشعر ببوادر النشوز فتمنعه، ومعنى قوله: { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ } يعني أن النشوز أمر متخوف منه ومتوقع ولم يحدث بعد.
.
وكيف يكون العلاج؟ يقول الحق: " فعظوهن " أي ساعة تراها تنوي هذا فعظها، والوعظ: النصح بالرقة والرفق، قالوا في النصح بالرقة: أن تنتهز فرصة انسجام المرأة معك، وتنصحها في الظرف المناسب لكي يكون الوعظ والإرشاد مقبولاً فلا تأت لإنسان وتعظه إلا وقلبه متعلق بك.
.
هكذا " فعظوهن " هذه معناها: برفق وبلطف، ومن الرفق واللطف أن تختار وقت العظة، وتعرف وقت العظة عندما يكون هناك انسجام، فإن لم تنفع هذه العظة ورأيت الأمر داخلاً إلى ناحية الربوة؛ والنشوز فانتبه.... والمرأة عادة تَدِل على الرجل بما يعرف فيه من إقباله عليها. فأعط لها درساً في هذه الناحية، اهجرها في المضجع. 
.
إذن فقوله: { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } كأنك تقول لها: إن كنت سَتُدِلِّينَ بهذه فأنا أقدر على نفسي. ويتساءل بعضهم: وماذا يعني بأن يهجرها في المضاجع؟. نقول: ما دام المضجع واحداً فليعطها ظهره وبشرط ألا يفضح المسألة، بل ينام على السرير وتُغلق الحجرة عليهما ولا يعرف أحد شيئاً؛ لأن أي خلاف بين الرجل والمرأة إن ظل بينهما فهو ينتهي إلى أقرب وقت، وساعة يخرج الرجل وعواطفه تلتهب قليلاً، يرجع ويتلمسها، وهي أيضاً تتلمسه.
.
{ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ } وقالوا: إن الضرب بشرط ألا يسيل دما ولا يكسر عظما.. أي يكون ضرباً خفيفاً يدل على عدم الرضا؛ ولذلك فبعض العلماء قالوا: يضربها بالسواك.
.
وعلمنا ربنا هذا الأمر في قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة، قال له ربنا:
{
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ }
[ص: 44].

والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وانتهت. فالمرأة عندما تجد الضرب مشوباً بحنان الضارب فهي تطيع من نفسها، وعلى كل حال فإياكم أن تفهموا أن الذي خلقنا يشرع حكماً تأباه العواطف، إنما يأباه كبرياء العواطف، فالذي شرع وقال هذا لا بد أن يكون هكذا.

{
وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ } أي ضرباً غير مبرح، ومعنى: غير مبرح أي ألا يسيل دماً أو يكسر عظماً ويتابع الحق: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً }.

فالمسألة ليست استذلالاً. بل إصلاحا وتقويما، وأنت لك الظاهر من أمرها، إياك أن تقول: إنها تطيعني لكن قلبها ليس معي؛ وتدخل في دوامة الغيب، نقول لك: ليس لك شأن لأن المحكوم عليه في كل التصرفات هو ظاهر الأحداث. أما باطن الأحداث فليس لك به شأن ما دام الحق قال " " أطعنكم "؛ فظاهر الحدث إذن أن المسألة انتهت ولا نشوز تخافه، وأنت إن بغيت عليها سبيلاً بعد أن أطاعتك، كنت قوياً عليها فيجب أن تتنبه إلى أن الذي أحلها لك بكلمة هو أقوى عليك منك عليها وهذا تهديد من الله.
.
ومعنى التهديد من الله لنا أنه أوضح: هذه صنعتي، وأنا الذي جعلتك تأخذها بكلمتيّ " زوجني.. زوجتك ".. وما دمت قد ملكتها بكلمة مني فلا تتعال عليها؛ لأنني كما حميت حقك أحمى حقها. فلا أحد منكما أولى بي من الآخر، لأنكما صنعتي وأنا أريد أن تستقر الأمور.
.

الرد على شبهة سورة النساء الآية 43

بسم الله الرحمن الرحيم 
.
.
قال أعداء الإسلام :- لا تقربوا الصلاة :

“لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ; (آية 43).

روى أبو داود عن علي قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة فقدَّموني (والقول لعلي) إماماً فقرأت قل يا أيها الكافرون نحن نعبد ما تعبدون فبلغ ذلك محمداً فقال إن الله أنزل عليه لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول النساء 4: 43).

وهذا القول لا يصل إلى درجة الوحي، فهو مجرد خبر. ولنفرض أن جاءك أُناس وقالوا: لقد ذهبنا للعمل ونحن سكارى فتشاجرنا مع رؤسائنا، فقلتَ لهم لا تذهبوا للعمل وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تفعلون. فهل هذا وحي ؟
. انتهت الشبهة .
.
الرد على هذه الشبهة:-
.
أراد الله عز وجل أن يصلنا به وصل العبادية التي تجعلنا نعلن والولاء لله في كل يوم ، خمس مرات ، وسبحانه يريدنا أن نُقبل عليه بجماع عقولنا وفكرنا وروحنا بحيث لا يغيب منا شيء .
.
هو سبحانه يقول (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) ولم يقل : لا تصلوا وأنتم سكارى ؟ أي لا تقاربوا الصلاة ولا تقوموا إليها واجتنبوها ، وفيه إشارة إلى ترك المسكرات ، فما معنى ((لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)) ؟ 
.
معنى ذلك أنهم إذا كانوا لا يقربون الصلاة إذا ما شربوا الخمر ، فيكون تحريم المسكرات لم يأت به التشريع بعد ، فقد مر هذا الأمر على مراحل ، لأن الدين حينما جاء ليواجه أمة كانت على فترة من الرسل أي بعدت صلتها بالرسل ، فيجيء إلى أمر العقائد فيتكلم فيها كلاماً حاسماً باتَّا لا مرحلية فيه ، فالإيمان بإله واحد وعدم الشرك بالله هذه أمور ليس فيها مراحل ، ولا هوادة فيها .
.
ولكن المسائل التي تتعلق بإلف العادة ، فقد جاءت الأوامر فيها مرحلية .
.
فلا نقسر ولا نكره العادة على غير معتادها بل نحاول أن نتدرج في المسائل الخاضعة للعادة ما دام هناك شيء يقود إلى التعود .
.
إن الله سبحانه وتعالى من رحمته بمن يشرع لهم جعل في مسائل العادة والرتابة مرحليات ، فهذه مرحلة من المراحل : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) ، والصلاة هي : الأقوال والأفعال المعرفة المبدوءة بالتكبير والمنتهية بالتسليم بشرائطها الخاصة ، هذه هي الصلاة ، اصطلاحياً في الإسلام وإن كانت الصلاة في المعنى اللغوي العام هو مطلق الدعاء .

و{ سًكارى } جمع ( سكران ) وهو من شرب ما يستر عقله ، وأصل المسألة مأخوذة من السَّكرْ ما سد به النهر ، فالماء حين ينساب يضعون سداً ، هذا السد يمنع تدفق الماء ، وكذلك الخمر ساعة يشربها تمنع تدفق الفكر والعقل ، فأخذ من هذا المعنى ، (( لا تقربوا الصلاة الصلاة وأنتم سكارى )) المفهوم أن الصلاة تأخذهم خمسة أوقات للقاء الله ، والسكر والخُمار ، وهو ما يمكث من أثر المسْكِر في النفس ، ومادام لن يقرب الصلاة وهو سكران فيمتنع في الأوقات المتقاربة . إذن فقد حملهم على أن يخرقوا العادة بأوقات يطول فيها أمد الابتعاد عن السُكر .
.
وماداموا قد اعتادوا أن يتركوها طوال النهار وحتى العشاء ، فسيصلي الواحد منهم ثم يشرب وينام .
.
إذن فقد مكث طوال النهار لم يشرب ، هذه مرحلة من المراحل ، وأوجد الحق سبحانه وتعالى في هذه المسألة مرحليات تتقلبها النفس البشرية . فاول ما جاء ليتكلم عن الخمر قال : 
.
سورة النحل 67
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
.
ويلاحظ هنا أن ( السُكر ) مقدم ، على الرزق الموصوف بالحسن ، ففيه سكر وفيه رزق . كأنهم عندما كانوا يألون العنب أو البلح فهذا رزق ، ووصف الله الرزق بأنه حسن . ولكنهم كانوا أيضاً ياخذون العنب ويصنعون منه خمراً ، فقدم ربنا (السُكرَ) لأنهم يفعلون ذلك فيه ، ولكنه لم يصفه بالحسن ، بل قال : (( تتخذون منه سكراً )) لكن كلمة رزق وُصف بالحسن .
.
بالله عندما نسمع ((سكَراً ورزقاً حسناً )) ألا نفهم أن كونه سكراً يعني غير حسن ، لأن مقابل الحسن : قبيح . وكأنه قال : ومن ثمرات النخل والأعناب تتخذون منه سكراً أي شراباً قبيحاً ورزقاً حسناً ، ولاهتمامكم أنتم بالسكر ، قدمه ، وبعد ذلك ماذا حدث ؟
.
عندما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يأتي بحكم تكون المقدمة له مثل النصيحة ، فالنصيحة ليست حكماً شرعياً ، والنصيحة أن يبين لك وأنت تختار ، يقول الحق : البقرة 219
.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
.
هو سبحانه شرح القضية فقط وأنت حر في أن تختار فقال : (( قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )) ولكن الإثم أكبر من النفع ، فهل قال لنا ماذا نفعل ؟ لا 
.
لأنه يريد أن يستأنس العقول لترجح من نفسها الحكم ، وأن يصل الإنسان إلى الحكم بنفسه ، فسبحانه قال : (( وإثمهما أكبر من نفعهما )) فمادام الإثم أكبر من النفع فما مرجحات البدائل ؟ مرجحات البدائل تظهر لك حين تقارن بين بديلين ثم تعرف أقل البديلين شراً وأكثر البديلين خيراً .
.
فحين يقول الحق : (( فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )) إذن فهذه نصيحة ، ومادامت نصيحة فالخير أن يتبعها الإنسان ويستأمن الله على نصيحته . لكن لا حكم هنا ، فظل هناك ناس يشربون وناس لا يشربون ، وبعد ذلك حدثت قصة من جاء يصلي وقرأ سورة الكافرون ، ولأن عقله قد سد قال : قل ياأيها الكافرون أعبد ما تعبدون .... فوصلت المسألة ذروتها وهنا جاء الحكم فنحن لا نتدخل معك سواء سكرت أم لا ، لكن سكرك لا يصح أن يؤدي بك أن نكفر في الصلاة ، فلا تقرب الصلاة وأنت مخمور . هذا نهي ، وأمر ، وتكليف .
.
(( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)) ومادام لا نقرب الصلاة ونحن سكارى فسنأخذ وقتاً نتمتع فيه ، إذن ففيه إلف بالترك ، وبعد ذلك حدثت الحكاية التي طلبوا فيها أن يفتي الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الخمر ، فقالوا للنبي : بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزل قوله الحق : 
المائدة 90 
.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 
.
إذن فقوله : (( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم السكارى)) مرحلة من مراحل التلطيف في تحريم الخمر ، فحرمها زمناً ، هذا الزمن هو الوقت الذي يلقى الإنسان فيه ربه ، إنه أوضح لك : اعملها بعيداً ، لكن عندما تأتي فعليك أن تأتي بجماع فكرك وجماع عقلك ، (( حتى تعلموا ما تقولون)) فكأن هذه أعطتنا حكماً : أن الذي يسكر لا يعرف ماذا يقول ، إنما في العبادة وفي القرآن فلا يصح أن يصل إلى هذا الحد ، وعندما تصل إلى هذا الحد يتدخل ربنا فيقول : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) .

ثم جاء بحكم آخر . (( ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا )) ومعروف ما هي الجنابة : إنها الأثر الناتج من التقاء الرجل بالمرأة . وليس لأحد شأن بهذه المسألة مادامت تتم في ضوء شريعة الله وشأننا في ذلك أن ناتمر بأمر ربنا ونغتسل من الجنابة سواء فهمنا الحكمة من وراء ذلك أو لم نفهم .
.
(( ولا جنباً إلا عابري سبيل )) ، فلا تقربوا الصلاة ، بالسكر أو بالجنابة ولم يقل : (( لا تصلوا )) . والصلاة مكانها المسجد ، فقول : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً )) ، أي لا تقربوا الصلاة ، والقرب عرضة أن يكون ذهاباً للمسجد ، فكأنه يقول : لا تذهب إلا إذا كان المسجد لا طريق للماء إلا منه .

وربنا سبحانه وتعالى يقول : (( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً )) ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن لطف الحق بها أن التشريع جاء ليقبل عليه الإنسان ، لأنه تشريع فلا تقل لي مثلاً : أنا أتوضأ لكي أنظف نفسي ولكننا نقول لك : هل تتوضأ لتنظف نفسك وعندما تفقد الماء تأتي بتراب لتضعه على وجهك ؟ فلا تقل لي النظافة أو كذا ، إنه استجابة الصلاة بالشيء الذي فرضه الله ، فقال لي : توضأ فإن لم تجد ماءً فتيمم ، أينقلني من الماء الذي ينظف إلى أن أمسح كَفَّيَّ بالتراب ثم ألمس بهما وجهي ؟ نعم ؛ لأن المسألة أمر من الله فُهمت علته أم لم تُفهم ؛ ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : 
.
(( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجداً طهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )) رواه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر .
.
(( فتيمموا صعيداً طيباً )) أي تكون واثقاً أنه ليس عليه نجاسة ، (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ، المسألة فيها (( جنب)) وفيها كذا وكذا ... (( تيمم )) ، إذن فكلمة (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ليس ذلك معناه أن التيمم خَلَف وبديل عن الوضوء فحسب ، ففي الوضوء كنت أتمضمض ، وكنت أستنشق ، وكنت أغسل الوجه ، وكنت أغسل اليدين ، وأمسح الرأس والأذنين ... مثلاً ، وأنا أتكلم عن الأركان والسنن .
.
وفي هذه الاية يوضح الحق : مادامت المسألة بصعيد طيب وتراب فذلك يصح سواء أكانت للحدث الأصغر أم للجنابة ، إذن فيكفي أن تمسح بالوجه واليدين .
.
ولماذا قال الحق في ذلك : (( إن الله غفواً غفوراً )) ، لأنه غفر وستر علينا في المشقة في ضرورة البحث عن الماء ويسر ورخص لنا في التيمم .
.
الإمام/محمد متولي الشعراوي .

الأحد، 9 أغسطس 2009

الرد على شبهة سورة النساء الآية 54

بسم الله الرحمن الرحيم 
.
.
قال المستشرقين أعداء الله ورسوله :- علامَ يحسدون محمداً؟

“أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ; (آية 54).

قال ابن عباس: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أُوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة، وليس همُّه إلا النكاح، فأي مَلِك أفضل من هذا؟ فقال محمد: أم يحسدون الناس (أسباب النزول للواحدي سبب نزول النساء 4: 54). فقولهم لم يكن حسداً بل كان مجرد انتقاد، فإنهم رأوا أن صفات الأنبياء الصادقين غير منطبقةعلى صفاته، فردَّ عليهم موافقاً على ما قالوه فيه، مدَّعياً أن كثرة النساء من فضل الله
.. انتهت الشبهة .
.
الرد على هذه الشبهة:-
.
الحسد هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ربنا قد اصطفاه واختاره للرسالة،

ولذلك قال بعض منهم:
{ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }
[الزخرف: 31].

إذن فالقرآن مقبول في نظرهم، لكن الذي يحزنهم أنه نزل على محمد، وهذا من تغفيلهم، وهو مثل تغفيل من قالوا:
{ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }
[الأنفال: 32].

لقد تمنوا الموت والقتل رميا بالحجارة من السماء ولم يتمنوا اتباع الحق، وهذا قمة التغفيل الدال على أنها عصبية مجنونة، ولذلك يقول الحق:
{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ }
[الزخرف: 32].

وسبحانه يؤكد لنا أنه يختص برحمته من يشاء، فلماذا الحسد إذن؟ إنهم يحسدون الناس أن جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أنهم استقبلوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم استقبالاً عادلاً بعين الإنصاف لوجدوا أن كل ما جاء به هو كلام جميل. من يتبعه تتجمل به حياته. وكان مقتضي من آتاهم الله من فضله علماً من الكتاب أن يبشروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما دعاهم إلى ذلك نزل عليهم في كتابهم وأن يكونوا أول المصدقين به، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، بل كذبوا وصدوا عن سبيله وَفَضَّلوا عليه الكافرين الوثنيين. فقالوا إنهم أهدى من محمد سبيلاً.
.
على الرغم أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي كرم المسيح وامه ودافع عنهم وبرئهم من كل الأتهامات المنسوبة إليهم  وعلى الرغم أن اليهود أساءوا للمسيح وأمه إلا أن الحرب المعلنة من الكنيسة والمستشرقين ضد الإسلام حرب لا تهدأ البتة وهذا يؤكد أنهم يحسدون المسلمين على النعمة التي اكرمهم الله بها وهي الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فلماذا لا تعلن الكنيسة الحرب على اليهود الذي سبوا المسيح وأمه ، أو أعلنوا الحرب على البوذية أو عبدة النار والأفاعي ؟ .
.
لكن بابا الفاتيكان أعلن بأن المسيحي يعبد نفس الإله الذي يعبده عبدة النار والأفاعي وأن بوذا قديس .... ففي عام 1981 أعلن البابا نفسه في طوكيو أمام حشد من الشينتويين والبوذيين (ديانتا اليابان) حكمة أسلافهم التي أوحت بأن يروا الحضور الإلهي في كل إنسان! وأضاف أنني كنائب للمسيح أعلن سروري أن الله وزع تلك العطايا الدينية بينكم! وفي توجو عام 1985 أعلن نفس البابا أنه صلي لأول مرة في حياته مع الحيوانات!( حمار كان أو كلب ) .. وفي عام 1986 عقد في إيطاليا اجتماعاً مشتركاً للصلاة ضم تشكيلة من الديانات المختلفة في العالم بما فيها عابدي النار وعابدي الأفاعي ! وأعلن البابا في هذا الاجتماع أننا جميعاً نصلي لنفس الإله!! وفي هذا المناسبة سمح البابا لصديقه الدالاي لاما أن يضع بوذا بدلاً من الصليب فوق المذبح في كنيسة القديس بطرس وأن يقوم هو والرهبان البوذيون المرافقين له بأداء شعائر عبادتهم في الكنيسة!!.. وفي عام 1990 خصصت واحدة من المجلات الكاثوليكية في العالم عدداً لها عن البوذية، وتضمنت مديحاً من البابا لهذه الديانة، وفي إحدى مقالات هذا العدد كُرِم بوذا باعتباره أحد القديسين!!.
.


.
.
فالحسد - كما عرفنا - هو: أن يتمنى إنسان زوال نعمة غيره، هذا التمني معناه أنك تكره أن تكون عند غيرك نعمة، ولا تكره أن يكون عند غيرك نعمة إلا إذا كنت متمرداً على من يعطي النعم.
.
إذن فهؤلاء القوم عندما جاء رسول الله مصدقاً بما عندهم من بشارة بظهوره (الأعراف157،الصف6)، ما الذي منعهم أن يصدقوه؟ لا شك أنهم حسدوه في أن يأخذ هذه النعمة، ونظروا إلى نعمة الرسالة على أنها مزية للرسل، وهل كان ذلك صحيحا؟ حقا إنها مزية للرسل ولكنها مع ذلك عملية شاقة عليهم، والناس في كل الأمم - ما عدا الأنبياء - يورثون أولادهم ما لهم، أما الأنبياء فلا يورثون أولادهم.
.
إنهم لا يأتوا ليأخذوا جاهاً، أو ليستعلوا على الناس، بل كلِّفوا بمتاعب جمة. إذن فأنتم تنظرون إلى السلطة التي أعطاكم الله إياها في مسألة علم الدين. وتجعلونها أداة للترف والرفاهية وللعنجهية والعظمة، وحين يجيء رسول لكي ينفض عنكم ويخلصكم من هذه السيطرة، ماذا تفعلون؟ أنتم تحزنون؛ لأنكم أقمتم لأنفسكم سلطة زمنية ولم تجعلوا أنفسكم في خدمة القيم، وأخذتم عظمة السيطرة فقط، فلما جاء رسول الله يريد أن يزيل عنكم هذه السيطرة قلتم: لا. لن نتبعه. فإذا كنتم تحسدون النبي عليه الصلاة والسلام على الرسالة وجعلتموها مسألة يُدَلِّله الله بها أو أنها تعطية سيطرة، فلماذا الحسد على سيدنا محمد وقد أعطى الله سيدنا إبراهيم الملك، وأعطى لداود الملك، وأعطى لسليمان الملك، وأعطى ليوسف الملك، فلماذا الحسد إذن عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يكرم الفرع الثاني من إبراهيم وهو إسماعيل عليه السلام؟

لقد كرم الله سبحانه الفرع الأول في إسحاق وجاء من إسحاق يعقوب، ومن يعقوب يوسف، ثم جاء موسى وهارون ثم داود وسليمان، كل هؤلاء قد كرموا، وعندما يكرم سبحانه الفرع الثاني لإبراهيم وهو ذرية إسماعيل ويرسل منهم رسولاً، تحزنون وتقفون هذا الموقف؟

لماذا لا تنظرون إلى أن إسماعيل وفرعه أتى من ذرية إبراهيم، ولماذا اعتبرتم الرسالة والنبوة نعمة مدللة، ولم تنتبهوا إلى أنها عملية قاسية على الرسول؟ لأن عليه أن يكون النموذج التطبيقي على نفسه وعلى آله، ولا أحد من أهله يتمتع بذلك بل العكس؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنا معشر الأنبياء لا نورث ". 

ويَحْرِم صلى الله عليه وسلم آل بيته من الزكاة. ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ".
.
وهكذا نرى أنه لم يكن يعمل لنفسه ولا لأولاده.

ويتابع الحق: { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } و " الكتاب " هو المنهج الذي ينزل من السماء، و " الحكمة " هي الكلام الذي يقوله الرسول مفسراً به منهج الله، ومع ذلك آتاهم الله الملك أيضاً. فسيدنا يوسف صار أميناً على خزائن الأرض، وأصبح عزيز مصر، وسيدنا داود، وسيدنا سليمان آتاهما الله الملك مع النبوة. إذن ففيه نبوة وفيه ملك، ومحمد صلى الله عليه وسلم أعطاه ربنا النبوة ولم يعطه الملك فما وجه الحسد منكم له؟!. ثم ماذا كان موقفكم من أنبيائكم الذين أعطاهم الله النبوة والملك؟ يجيب الحق: { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً }.
.
الإمام/ محمد متولي الشعراوي 

الرد على شبهة سورة النساء الآية 59

بسم الله الرحمن الرحيم 

.

.

قال أعداء الإسلام :- الإسلام يُبيح التمتع بالأطفال الرضع لأن الخمينى يبيح التمتع بالرضيعة .


.

الرد على هذا المطعن :- 

.

قال الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
(59)النساء

هل الحق سبحانه قال : يا أيها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ؟ لا .
لم يقل ذلك ، لقد قال : {يا أيها الذين آمنوا} .. إذن ما دمت قد آمنت بالله إلها حكيماً خالقا عالماً مكلفاً فاسمع ما يريد أن يقوله لك .

.
إذن حيثية إطاعة الله وإطاعة الرسول هي : الإيمان به .

.
فهل هذه الطاعة لصالحنا ام لصالحه ؟

وبعد ذلك قال : ((وَأُوْلِي الأَمْر)) ، و ((وَأُوْلِي الأَمْر)) هنا لم يتكرر لهم الفعل ، فلم يقل : وأطيعوا أُوْلِي الأَمْر .. لنفهم أن أولي الأمر لا طاعة لهم إلا من باطن الطاعتين : طاعة الله وطاعة الرسول ، ونعلم ان الطاعة تاتي في أساليب القرآن بثلاث أساليب : ((أطيعوا الله والرسول)) و ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)) , و((أطيعوا الرسول )) فقط .. إذن فثلاثة أساليب في الطاعة : 

الأسلوب الأول : أطيعوا الله والرسول ، فأمر الطاعة واحد والمطاع هو الله والرسول
الأسلوب الثاني : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
الأسلوب الثالث : أطيعوا الرسول ، نعم . فالتكليفات يامر بها الحق سبحانه وتتأكد بحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، او فعله أو تقريره ، وهنا تكون الطاعة في الأمر لله والرسول ، أو أن الحق قد امر اجمالاً والرسول عين تفصيلاً ، فقد أطعنا الله في الإجمال وأطعنا الرسول في التفصيل فتكون الطاعة لله ، وتكون الطاعة للرسول ، أو إن كان هناك أمر لم يتكلم فيه الله وتكلم الرسول فقط ، ويثبت ذلك بقول الحق :
[مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ] 
(من الآية 80 سورة النساء)

وقوله تعالى
[وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
(من الآية 7 سورة الحشر)

إذن فهذه تثبت أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ملاحظ في التشريع : ملحظ يشرع فيه ما شرع الله تاكيداً له أو أن الله قد شرع إجمالاً ، والرسول عين تفصيلاً .

والأمثلة على ذلك : أن الله فرض علينا خمس صلوات ، وفرض علينا الزكاة ، وهذه تكليفات قالها الله ؛ والرسول يوضحها : النصاب كذا ، والسهم كذا .

إذن فنحن نطيع الله في الأمر إجمالاً ، ونطيع الرسول في الأمر التفصيلي ، أو أن الأمر لم يتكلم فيه الله حكماً ، وإنما جاء من الرسول بتفويض من الله ، لذلك ...... لذلك ...... لذلك فإن قال لك أي إنسان عن أي حكم من الأحكام : فقل له هات دليله من القرآن فإن لم يجد أو تجد دليلاً من القرآن فقل له : دليل أي أمر قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن هو قول الحق :
[وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
((من الآية 7 سورة الحشر))

هذا دليل كل أمر تكليفي صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اما الأمر بطاعة أولي الأمر فقد جاءت بالعطف على المطاع دون أمر بالطاعة ، مما يدل على أن طاعة ولي الأمر ملزمة إن كانت من باطن طاعة الله وطاعة رسوله ، وفي ذلك عصمة للمجتمع الإيماني من الحكام المتسلطين الذين يحاولون أن يستذلوا الناس بقول الله : ((وأولي الأمر)) ويدعون أن طاعتهم واجبة ، يقول الواحد منهم : ألست ولي أمر ؟ فيرد العلماء : نعم أنت ولي أمر ولكنك معطوف على المطاع ولم يتكرر لك أمر الطاعة ، فدل ذلك على أن طاعتك واجبة إن كانت من باطن الطاعتين . فإن لم تكن من باطن الطاعتين فلا طاعة لك ، لأن القاعدة هي : ((لا طاعة لمخلوق على معصية الخالق)).


قال تعالى : "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" (الشورى: 10)

قال تعالى : " فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر " (النساء59)

وقال الرسول : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وسنتي "
.
إذن : فالحاكم المسلم مطالب أولاً باداء الأمانة ، وطالب بالعدل ، ومطالب أيضاً أن تكون طاعته من باطن طاعة الله وطاعة رسوله . فإن لم تكن فيه هذه الشروط ، فلا طاعة لمخلوق على معصية الخالق لأن الشرط الأساسي هو ان حكمه او فتوته ملزمة باطن طاعة الله وطاعة رسوله .


إذن فالفتوى التي نحن بصددها .. بلوها وامسحوا بها .... وجوهكم ، لأنها مردودة لصاحبها لخروجها عن ما تم سرده من مفهوم طاعة الله وطاعة الرسول .
.

الإمام/ محمد متولي الشعراوي .

الرد على شبهة سورة النساء الآية 95

بسم الله الرحمن الرحيم 

.

.

قال أعداء الله ورسوله :- غير أوليا لضرر :

“لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; (آية 95).

قال زيد بن ثابت: أملى عليَّ محمد: لا يستوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيلِ الله . فجاءهُ ابنُ أُم مكتومٍ وهو يُمِلُّها. قال: يارسولَ اللهِ، واللهِ لو أستطيعُ الجهادَ لجاهدتُ. وكان أعمى فأنزلَ اللهُ على محمد وفخذُهُ على فخذي، فثَقُلَتْ عليَّ حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فَخذِي. ثم سُرِّيَ عنه فأنزلَ اللهُ: غيرَ أُولِي الضرَرِ . وقال البَرَاء: لما نَزَلَتْ: لا يستوِي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ دعا محمد زيداً فكتبها. فجاء ابن أم مكتومٍ فَشَكا ضرارَتَهُ، فأنزلَ اللهُ غيرُ أُولِي الضَّرَرِ . وقال البَرَاء: لما نزلت: لا يستوي القاعدونَ من المؤمنينَ قال محمد: ادْعُوا فُلاناً. فجاءهُ ومعهُ الدَّواةُ والَّلوحُ أو الكَتِفُ، فقال: أكْتُبْ: لا يَستَوِي القاعدونَ من المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيل اللهِ، وخَلْفَ النبي ابنُ اُم مكتُومٍ، فقال يارسولَ اللهِ أنا ضَريرٌ. فنزَلَتْ مكانَها: لا يَستَوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ غيرُ أولي الضرر، والمجاهدونَ في سبيل الله . (أخرجه البخاري والسيوطي في أسباب نزول النساء 95).

ونحن نسأل: ألم يكن الله عارفاً بابن أم مكتوم وأمثاله من المعوَّقين، فيُنزل على محمد آية مُحكمة، لا تحتاج أن يكملها ابن أم مكتوم؟ وهل كانت التكملة في اللوح المحفوظ، أم هي من إنشاء الأعمى؟
.
انتهت الشبهة .

.

الرد على هذا المطعن :-

.

الموضوع الأساسي هو الهجرة إلى دار الإسلام؛ والحث على انضمام المسلمين المتخلفين في دار الكفر والحرب إلى الصف المسلم المجاهد في سبيل الله بالنفس والمال. واطراح الراحة النسبية والمصلحة كذلك في البقاء بمكة، إلى جوار الأهل والمال!

ولعل هذا هو المقصود بقوله تعالى في مطلع هذا الأمر : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة - وكلا وعد الله الحسنى - وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً... }.. فما كان في المدينة قاعدون - إلا المنافقين المعوقين الذين تحدث عنهم بلهجة غير هذه اللهجة بالآيات السابقة !

وقد تلا هذه الفقرة فقرة أخرى فيها تحذير وتهديد لمن يظلون قاعدين هنالك في دار الكفر - وهم قادرون على الهجرة منها بدينهم وعقيدتهم - حتى تتوفاهم الملائكة { ظالمي أنفسهم }.. { فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً }..

ثم تلتها فقرة أخرى عن ضمان الله سبحانه لمن يهاجر في سبيله، منذ اللحظة التي يخرج فيها من بيته، قاصداً الهجرة إلى الله خالصة. عالج فيها كل المخاوف التي تهجس في النفس البشرية وهي تقدم على هذه المخاطرة، المحفوفة بالخطر، الكثيرة التكاليف في الوقت ذاته..

فالحديث مطرد عن الجهاد والهجرة إلى دار المجاهدين، وأحكام التعامل بين المسلمين في دار الهجرة وبقية الطوائف خارج هذه الدار - بما في ذلك المسلمون الذين لم يهاجروا - والحديث موصول.

كذلك يلم هذا الأمر بكيفية الصلاة عند الخوف - في ميدان القتال أو في أثناء طريق الهجرة - وتدل هذه العناية بالصلاة في هذه الآونة الحرجة، على طبيعة نظرة الإسلام إلى الصلاة - كما يهيىء لإيجاد حالة تعبئة نفسية كاملة؛ في مواجهة الخطر الحقيقي المحدق بالجماعة المسلمة؛ من أعدائها الذين يتربصون بها لحظة غفلة أو غرة!

وينتهي الأمر بلمسة قوية عميقة التأثير؛ في التشجيع على الجهاد في سبيل الله؛ في وجه الآلام والمتاعب التي تصيب المجاهدين. وذلك في تصوير ناصع لحال المؤمنين المجاهدين، وحال أعدائهم المحاربين؛ على مفرق الطريق:

{ ولا تهنوا في ابتغاء القوم.. إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون.. }

وبهذا التصوير يفترق طريقان؛ ويبرز منهجان؛ ويصغر كل ألم، وتهون كل مشقة. ولا يبقى مجال للشعور بالضنى وبالكلال. 

. فالآخرون كذلك يألمون. ولكنهم يرجون من الله ما لا يرجون!

ويرسم هذا الموضوع - بجملة الموضوعات التي يعالجها، وبطرائق العلاج التي يسلكها - ما كان يعتمل في جسم الجماعة المسلمة، وهي تواجه مشاق التكوين الواقعية؛ ومشكلات التكوين العملية. وما كان يشتجر في النفوس من عوامل الضعف البشري؛ ومن رواسب الماضي الجاهلي، ومن طبيعة الفطرة البشرية وهي تواجه التكاليف بمشاقها وآلامها؛ مع ما يصاحب هذه المشاق والآلام من أشواق ومن تطلع إلى الوفاء كذلك؛ يستثيرها المنهج الحكيم، ويستجيشها في الفطرة لتنهض بهذا الأمر العظيم.

ونرى ذلك كله مرتسماً من خلال الوصف للواقع؛ ومن خلال التشجيع والاستجاشة؛ ومن خلال المعالجة للمخاوف الفطرية والآلام الواقعية؛ ومن خلال التسليح في المعركة بالصلاة! وبالصلاة خاصة - إلى جانب التسلح بالعدة واليقظة - وبالثقة في ضمانة الله للمهاجرين، وثوابه للمجاهدين، وعونه للخارجين في سبيله، وما أعده للكافرين من عذاب مهين.

ونرى طريقة المنهج القرآني الرباني في التعامل مع النفس البشرية في قوتها وضعفها؛ وفي التعامل مع الجماعة الإنسانية في أثناء تكوينها وإنضاجها. ونرى شتى الخيوط التي يشدها منها في الوقت الواحد وفي الآية الواحدة.. ونرى - على الأخص - كيف يملأ مشاعر الجماعة المسلمة بالتفوق على عدوها، في الوقت الذي يملأ نفوسها بالحذر واليقظة والتهيؤ الدائم للخطر، وفي الوقت الذي يدلها كذلك على مواطن الضعف فيها، ومواضع التقصير، ويحذرها إياها أشد التحذير.

إنه منهج عجيب في تكامله وفي تقابله مع النفس البشرية؛ وفي عدد الأوتار التي يلمسها في اللمسة الواحدة، وعدد الخيوط التي يشدها في هذه النفس، فتصوت كلها وتستجيب!

لقد كان التفوق في منهج التربية، والتفوق في التنظيم الاجتماعي الذي قام عليه؛ هو الأمر البارز الظاهر فيما بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات حوله من فروق.. ولقد كان هذا التفوق البارز هو كذلك أوضح الأسباب - التي يراها البشر - لتمكن هذا المجتمع الناشىء الشاب - بكل ما كان في حياته من ملابسات ومن ضعف أحياناً وتقصير - من طي تلك المجتمعات الأخرى، والغلبة عليها. لا غلبة معركة بالسلاح فحسب؛ ولكن غلبة حضارة فتية على حضارات شاخت. غلبة منهج على مناهج، ونموذج من الحياة على نماذج؛ ومولد عصر جديد على مولد إنسان جديد..

و لنواجه النصوص بالتفصيل:

{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى. وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة. وكان الله غفوراً رحيماً }..

إن هذا النص القرآني كان يواجه حالة خاصة في المجتمع المسلم وما حوله؛ وكان يعالج حالة خاصة في هذا المجتمع من التراخي - من بعض عناصره - في النهوض بتكاليف الجهاد بالأموال والأنفس. 

سواء كان المقصود أولئك الذين تخلفوا عن الهجرة احتفاظاً بأموالهم، إذ لم يكن المشركون يسمحون لمهاجر أن يحمل معه شيئاً من ماله؛ أو توفيراً لعناء الهجرة وما فيها من مخاطر، إذ لم يكن المشركون يتركون المسلمين يهاجرون، وكثيراً ما كانوا يحبسونهم ويؤذونهم - أو يزيدون في إيذائهم بتعبير أدق - إذا عرفوا منهم نية الهجرة.. سواء كان المقصود هم أولئك الذين تخلفوا عن الهجرة - وهو ما نرجحه - أو كان المقصود بعض المسلمين في دار الإسلام، الذين لم ينشطوا للجهاد بالأموال والأنفس - من غير المنافقين المبطئين الذين ورد ذكرهم في درس سابق - أو كان المقصود هؤلاء وهؤلاء ممن لم ينشطوا للجهاد بالأموال والأنفس في دار الحرب ودار الإسلام سواء.

إن هذا النص كان يواجه هذه الحالة الخاصة؛ ولكن التعبير القرآني يقرر قاعدة عامة؛ يطلقها من قيود الزمان، وملابسات البيئة؛ ويجعلها هي القاعدة التي ينظر الله بها إلى المؤمنين في كل زمان وفي كل مكان - قاعدة عدم الاستواء بين القاعدين من المؤمنين عن الجهاد بالأموال والأنفس - غير أولي الضرر الذين يقعدهم العجز عن الجهاد بالنفس، او يقعدهم الفقر والعجز عن الجهاد بالنفس والمال - عدم الاستواء بين هؤلاء القاعدين والآخرين الذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم.. قاعدة عامة على الإطلاق:

{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم }..

ولا يتركها هكذا مبهمة، بل يوضحها ويقررها، ويبين طبيعة عدم الاستواء بين الفريقين:

{ فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة }..

وهذه الدرجة يمثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامهم في الجنة.

في الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله. وما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ". 

وقال الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، " عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من رمى بسهم فله أجره درجة " فقال رجل: يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك. ما بين الدرجتين مائة عام ". 

وهذه المسافات التي يمثل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحسب أننا اليوم أقدر على تصورها؛ بعد الذي عرفناه من بعض أبعاد الكون. حتى إن الضوء ليصل من نجم إلى كوكب في مئات السنين الضوئية! وقد كان الذين يسمعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصدقونه بما يقول. ولكنا - كما قلت - ربما كنا أقدر - فوق الإيمان - على تصور هذه الأبعاد بما عرفناه من بعض أبعاد الكون العجيب!

ثم يعود السياق بعد تقرير هذا الفارق في المستوى بين القاعدين من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدين بأموالهم وأنفسهم، فيقرر أن الله وعد جميعهم الحسنى:

{ وكلاًّ وعد الله الحسنى }. 

فللإيمان وزنه وقيمته على كل حال؛ مع تفاضل أهله في الدرجات وفق تفاضلهم في النهوض بتكاليف الإيمان؛ فيما يتعلق بالجهاد بالأموال والأنفس.. وهذا الاستدراك هو الذي نفهم منه أن هؤلاء القاعدين ليسوا هم المنافقين المبطئين. إنما هم طائفة أخرى صالحة في الصف المسلم ومخلصة؛ ولكنها قصرت في هذا الجانب؛ والقرآن يستحثها لتلافي التقصير؛ والخير مرجو فيها، والأمل قائم في أن تستجيب.

فإذا انتهى من هذا الاستدراك عاد لتقرير القاعدة الأولى؛ مؤكداً لها، متوسعاً في عرضها؛ ممعناً في الترغيب فيما وراءها من أجر عظيم:

{ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة. وكان الله غفوراً رحيماً }.

وهذا التوكيد.. وهذه الوعود.. وهذا التمجيد للمجاهدين.. والتفضيل على القاعدين.. والتلويح بكل ما تهفو له نفس المؤمن من درجات الأجر العظيم.. ومن مغفرة الله ورحمته للذنوب والتقصير..

هذا كله يشي بحقيقتين هامتين:

الحقيقة الأولى : هي أن هذه النصوص كانت تواجه حالات قائمة في الجماعة المسلمة كما أسلفنا وتعالجها. وهذا كفيل بأن يجعلنا أكثر إدراكاً لطبيعة النفس البشرية، ولطبيعة الجماعات البشرية، وأنها مهما بلغت في مجموعها من التفوق في الإيمان والتربية فهي دائماً في حاجة إلى علاج ما يطرأ عليها من الضعف والحرص والشح والتقصير في مواجهة التكاليف، وبخاصة تكاليف الجهاد بالأموال والأنفس، مع خلوص النفس لله، وفي سبيل الله. وظهور هذه الخصائص البشرية - من الضعف والحرص والشح والتقصير - لا يدعو لليأس من النفس أو الجماعة، ولا إلى نفض اليد، منها وازدرائها؛ طالما أن عناصر الإخلاص والجد والتعلق بالصف والرغبة في التعامل مع الله موفورة فيها.. ولكن ليس معنى هذا هو إقرار النفس أو الجماعة على ما بدا منها من الضعف والحرص والشح والتقصير؛ والهتاف لها بالانبطاح في السفح، باعتبار أن هذا كله جزء من " واقعها "! بل لا بد لها من الهتاف لتنهض من السفح والحداء لتسير في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة. بكل ألوان الهتاف والحداء.. كما نرى هنا في المنهج الرباني الحكيم.

والحقيقة الثانية: هي قيمة الجهاد بالأموال والأنفس في ميزان الله واعتبارات هذا الدين وأصالة هذا العنصر في طبيعة هذه العقيدة وهذا النظام. لما يعلمه الله - سبحانه - من طبيعة الطريق؛ وطبيعة البشر؛ وطبيعة المعسكرات المعادية للإسلام في كل حين.

إن " الجهاد " ليس ملابسة طارئة من ملابسات تلك الفترة. إنما هو ضرورة مصاحبة لركب هذه الدعوة! وليست المسألة - كما توهم بعض المخلصين - أن الإسلام نشأ في عصر الإمبراطوريات؛ فاندس في تصورات أهله - اقتباساً مما حولهم - أنه لا بد لهم من قوة قاهرة لحفظ التوازن!

هذه المقررات تشهد - على الأقل - بقلة ملابسة طبيعة الإسلام الأصيلة لنفوس هؤلاء القائلين بهذه التكهنات والظنون.

لو كان الجهاد ملابسة طارئة في حياة الأمة المسلمة ما استغرق كل هذه الفصول من صلب كتاب الله؛ في مثل هذا الأسلوب! ولما استغرق كذلك كل هذه الفصول من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي مثل هذا الأسلوب..

لو كان الجهاد ملابسة طارئة ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الكلمة الشاملة لكل مسلم إلى قيام الساعة: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق ". 

ولئن كان - صلى الله عليه وسلم - رد في حالات فردية بعض المجاهدين، لظروف عائلية لهم خاصة، كالذي جاء في الصحيح " أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أجاهد. قال: " لك أبوان؟ " قال: نعم. قال: ففيهما جاهد " . لئن كان ذلك فإنما هي حالة فردية لا تنقض القاعدة العامة؛ وفرد واحد لا ينقص المجاهدين الكثيرين. ولعله - صلى الله عليه وسلم - على عادته في معرفة كل ظروف جنوده فرداً فرداً، كان يعلم من حال هذا الرجل وأبويه، ما جعله يوجهه هذا التوجيه..

فلا يقولن أحد - بسبب ذلك - إنما كان الجهاد ملابسة طارئة بسبب ظروف. وقد تغيرت هذه الظروف!

وليس ذلك لأن الإسلام يجب أن يشهر سيفه ويمشي به في الطريق يقطع به الروؤس! ولكن لأن واقع حياة الناس وطبيعة طريق الدعوة تلزمه أن يمسك بهذا السيف ويأخذ حذره في كل حين!

إن الله - سبحانه - يعلم أن هذا أمر تكرهه الملوك! ويعلم أن لا بد لأصحاب السلطان أن يقاوموه. لأنه طريق غير طريقهم، ومنهج غير منهجهم. ليس بالأمس فقط. ولكن اليوم وغداً. وفي كل أرض، وفي كل جيل!

وإن الله - سبحانه - يعلم أن الشر متبجح، ولا يمكن أن يكون منصفاً. ولا يمكن أن يدع الخير ينمو - مهما يسلك هذا الخير من طرق سلمية موادعة! - فإن مجرد نمو الخير يحمل الخطورة على الشر. ومجرد وجود الحق يحمل الخطر على الباطل. ولا بد أن يجنح الشر إلى العدوان؛ ولا بد أن يدافع الباطل عن نفسه بمحاولة قتل الحق وخنقه بالقوة!

هذه جبلة! وليست ملابسة وقتية...

هذه فطرة! وليست حالة طارئة...

ومن ثم لا بد من الجهاد.. لابد منه في كل صورة.. ولا بد أن يبدأ في عالم الضمير. 

ثم يظهر فيشمل عالم الحقيقة والواقع والشهود. ولا بد من مواجهة الشر المسلح بالخير المسلح. ولا بد من لقاء الباطل المتترس بالعدد بالحق المتوشح بالعدة.. وإلا كان الأمر انتحاراً. أو كان هزلاً لا يليق بالمؤمنين!

ولا بد من بذل الأموال والأنفس. كما طلب الله من المؤمنين. وكما اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.. فأما أن يقدر لهم الغلب؛ أو يقدر لهم الاستشهاد؛ فذلك شأنه - سبحانه - وذلك قدره المصحوب بحكمته.. أما هم فلهم إحدى الحسنيين عند ربهم.. والناس كلهم يموتون عندما يحين الأجل.. والشهداء وحدهم هم الذين يستشهدون..

هناك نقط ارتكاز أصيلة في هذه العقيدة، وفي منهجها الواقعي، وفي خط سيرها المرسوم، وفي طبيعة هذا الخط وحتمياته الفطرية، التي لا علاقة لها بتغير الظروف.

وهذه النقط لا يجوز أن تتميع في حس المؤمنين - تحت أي ظرف من الظروف. ومن هذه النقط.. الجهاد.. الذي يتحدث عنه الله سبحانه هذا الحديث.. الجهاد في سبيل الله وحده. وتحت رايته وحدها.. وهذا هو الجهاد الذي يسمى من يقتلون فيه " شهداء " ويتلقاهم الملأ الأعلى بالتكريم..

بعد ذلك يتحدث عن فريق من القاعدين؛ أولئك الذين يظلون قاعدين في دار الكفر لا يهاجرون؛ تمسك بهم أموالهم ومصالحهم، أو يمسك بهم ضعفهم عن مواجهة متاعب الهجرة وآلام الطريق - وهم قادرون لو أرادوا واعتزموا التضحية - أن يهاجروا.. حتى يحين أجلهم؛ وتأتي الملائكة لتتوفاهم. يتحدث عنهم فيصورهم صورة زرية منكرة؛ تستنهض كل قاعد منهم للفرار بدينه وعقيدته، وبمصيره عند ربه؛ من هذا الموقف الذي يرسمه لهم:

{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.. قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوّاً غفوراً }..